تشرفت بإلقاء محاضرة في خلال الأسبوع الماضي كجزء من الفوز بجائزة فرانز كوهيل التذكارية للتميز في التعليم الاقتصادي، والتي قُدِّمَت في مؤتمر براغ عن الاقتصاد السياسي برعاية معهد CEVRO. شعرت بالتواضع الشديد لتلقي هذه الجائزة، لكن السبب الحقيقي الذي أخبرك به بهذا الأمر، هو لكي أتفاخر لأنه عادةً لا يوجد هناك سبب يدعوك إلى الاهتمام.
ورغم هذا، هناك سبب يجب أن يجعلك تهتم بفرانز كوهيل Franz Cuhel، الذي عاش من عام 1862 إلى عام 1914، وشارك في حلقات دراسية في فيينا في السنوات الأولى من المدرسة النمساوية للاقتصاد فقد كان لديه بعض الأفكار الرائعة عن بنية صنع القرار البشري وما ينطوي عليه ذلك معان ضمنية في حياتنا ومؤسساتنا الاقتصادية. ولكن من المؤسف أن أغلب أعماله لم تُترجم إلى اللغة الإنجليزية، لكن مقالاته الأكثر شهرة قد ترجمت، وأنا أعتمد أيضًا على الملخصات والتوصية العالية التي قدمها لودفيج فون ميزس حوله والذي يبدو أنه تأثر بشدة به.
كان كوهيل يعتقد أن نظرية الاحتياجات The theory of wants لم تكن متطورة في العلوم الاقتصادية. لذلك شرع في تحسينها، وبفعله ذلك، وضع تصنيفًا مثيرًا للاهتمام تجاوز عوالم علم النفس والاقتصاد.
وقال إن هناك ثلاث مراحل تصورية لاتخاذ القرار وهي تبدو رائعة إلى حد ما باللغة الألمانية.
المرحلة الأولى: (Wohlfahrtsbedürfnis) هذه هنا هي الحاجة Want التي تنبع من الرغبة في تحسين صحتك، أنت جائع، تشعر بالملل، مريض، غير محبوب، فقير. إدراك هذا هو تمييز الشعور النفسي بعدم الرضى عن حظك في هذه اللحظة الحالية.
المرحلة الثانية: (Verwendungsbedürfnis) هذه هنا هي النقطة التي يمكنك عندها تحديد حل لمحنتك يمكن التخلص من جوعك من خلال الاستحواذ على بيج ماك، يمكن تخفيف الملل عن طريق لعبة Tiny Wings على جهاز الأيفون الخاص بك يمكنك الشفاء من مرضك عن طريق كأس مارتيني، غياب الحب الذي تشعر به يمكن ملؤه عن طريق الحصول على كلب (أو كأس مارتيني آخر). هذه المرحلة تترك عالم النفس وتستكشف الإمكانيات والاحتمالات في العالم المادي، مما يعني أنه يجب عليك الآن التعامل مع الإمكانيات والاحتمالات الاقتصادية.
المرحلة الثالثة: (Verfügungsbedürfnis) هذه هنا هي النقطة التي تتحكم فيها بالسلعة أو الخدمة التي تخيلتها والتي يجب أن تكون لك. يجب عليك هنا اتخاذ إجراء. قيادة السيارة للحصول على خدمات ما، تنزيل التطبيق، الركض إلى الحانة لشراء بعض الجن، كل هذه الإجراءات هي محاولات للسيطرة على بعض الموارد التي تراها كوسيلة لتحقيق هدفك. والآن أنت تتصارع بشدة مع الاقتصاد في العالم الحقيقي، وتتلقى شيئا ما الآن.
بعبارة أخرى ، عليك أن Verfügungsbedürfnis ب Verwendungsbedürfnis الخاص بك للتخفيف من Wohlfahrtsbedürfnis الخاص بك. عليك أن تعترف: بأن هذا أمر ذو منظور واسع.
الأمر المثير للاهتمام هنا بشكل خاص هو كيف يتعامل كوهيل مع العلاقة الصعبة بين علم النفس والاقتصاد، في رؤوسنا يمكننا أن نتخيل كل ما نريده ، يمكننا التفكير في المثاليات، يمكننا أن نتخيل أنفسنا نعيش ونزدهر على كوكب المريخ، يمكننا أن نرى العالم كله يعيش في ثراء فاحش على الفور، يمكننا أن نكون ملوك، متسولين، عارضي أزياء، نجوم روك، وحيد قرن، أو أي شيء آخر. خيالنا جامح، وهذا أمر جيد.
ولكن بمجرد أن نبدأ المرحلة الثانية، يجب أن نتعامل مع شيء آخر: العالم الخارجي الفعلي. هنا حيث يجب أن نبدأ في كبح حماسنا، ما الذي يمكننا تحقيقه بالفعل؟ ما هو الممكن؟ هل يوجد مطعم وجبات سريعة مفتوح على مسافة قصيرة بالسيارة؟ هل لدي اتصال إنترنت قوي؟ هل أنا كبير بما يكفي لشراء مشروب؟ هل سيعطيني ملجأ الكلاب كلبًا على الرغم من أنني لا أعرف كيف أعتني بواحد؟
وهذا لأنه على وجه التجديد يجب علينا أن نغادر المرحلة الأولى للدخول في المرحلة الثانية والثالثة التي يقدمها علم الاقتصاد بجرعة من الواقع. ولا يرحب الجميع بهذا. فالاقتصاديين هم إلى الأبد في دور البطانية الرطبة الذي لا شكر لها على مهمتها ولكن تبقى ضرورية، فما يقوم به الاقتصاديين يتمثل في إخبار الناس بما هو ممكن بالفعل وما هي الحدود؟
جحافل من المثقفين أرادوا التظاهر بأن الاقتصاد غير موجود، ببساطة فهم لا يتركون المرحلة الأولى، إنهم يرزحون إلى الأبد في Wohlfahrtsbedürfnis.
فكر، على سبيل المثال، في مهندسي أوباما كير Obamacare. لم يكن تفكيرهم أكثر تعقيدًا من أنه يجب أن يكون لدى الجميع تأمين صحي رائع يغطي كل شيء وأن يكون في متناول الجميع. وما قاموا به هو وضع هذه الفكرة على شكل قانون.
إلا أن القانون لا يعد طريقة جيدة للانتقال من Wohlfahrtsbedürfnis إلى Verfügungsbedürfnis، عادة ما يعني ذلك أن شيئًا ما قد سار بشكل خاطئ جدًا خلال مرحلة Verwendungsbedürfnis. لذلك بالطبع Obamacare قد فشل.
وهذه ليست المرة الأولى، وبالطبع لن تكون الأخيرة.
هناك الآن انعكاسات أخرى لنظرية كوهيل: الرغبة البشرية تبدأ في الخيال، هنا المرحلة الأولية من التقييم، هنا نتخيل إمكانية، ومثالية، ونقرر مدى أهميتها لنا. لنا ولنا وحدنا، بغض النظر عما يحدث بعد ذلك، تكون الرغبة فردية، لا تنفصل عن تصوراتنا الذاتية، والتي لا يمكن لأي شخص آخر تقديرها، مشاركتها أو تمييزها بالكامل في جميع تفاصيلها.
لهذا السبب ، كما ذكر كوهيل بوضوح شديد، لا يمكن إجراء مقارنات علمية بين التقييمات الفردية. لا يمكن مقارنة القيمة بين شخصين، ناهيك عن إضافتها أو التلاعب بها بطريقة رياضية. إذا حاولنا القيام بذلك، فإننا نشارك في الخيال، القيمة ترتيبية Ordinal وليست أساسية Cardinal.
والنقطة الأساسية هي..
أننا الآن نصل إلى بعض الأمور الجذرية. إذا كان هذا صحيحًا، فإن كل ما يعتبر فعلا صالح علمياً أن ينظر اتخاذ إجراء من أجل تمييز إرضاء الحاجة، ولا يمكن تجميع هذا الإجراء بطريقة أو بأخرى مع إجراءات أخرى للوصول إلى بعض الاستنتاجات الكبيرة في الاقتصاد الكلي. هذا هو السبب في أنه من غير العلمي الحديث عن مدى فائدة برنامج تعليمي ما للمجتمع، أو على أن دعم الفن سيجلب سعادة اجتماعية هائلة، أو كيف ستجعل رقابة الدولة الجميع بالشعور بالأمان.
اقتراح نموذجي يسيء إلى نظرية كوهيل يبدأ بهذه الطريقة: دعونا نفرض الضرائب على الأغنياء ونعطي المال للفقراء، لأنه بعد كل شيء، فإن هذه الموارد الضريبية أقل قيمة للأغنياء مما هي للفقراء. ثم اتضح لنا أنه لا يمكنك فعلا الجزم في هذا.
لا يمكنك معرفة هذه الأشياء عن مجموعات ضخمة، ولا يمكنك حتى معرفة ذلك عن شخصين. إذا كان كوهيل على حق، فإن أفضل شكل من أشكال المجتمع الذي يمكن أن ننشئه لتعظيم القيمة المتصورة من جانب كل شخص هو المجتمع الحر: فالناس أحرار في إدراك المشكلات، وتصور الحلول، والتصرف وفقًا للإمكانيات. هذا هو السبب في أن عمل كوهيل يؤدي هنا بشكل حتمي إلى استنتاجات ليبرالية. هل تملك رغبات؟ أنت بحاجة إلى الحرية لإرضائهم.
لذا، صفقوا لكوهيل، ميت ومنسي منذ فترة طويلة، حتى أن أعماله لم يتم ترجمتها إلى الإنجليزية. ومع ذلك، كان من الواضح أنه ذكي و ذو بصيرة، مثل هذه العقول تفسر لماذا الحرية لا تنفصل عن الحياة الجيدة.
أخيرا، اسمحوا لي أن أقدم شكري الخاص لمعهد CEVRO ومؤتمر براغ حول الاقتصاد السياسي، لقد قدرت الجائزة كثيرًا، وأتمنى لهذه المؤسسة العظيمة كل التوفيق في سعيها وراء العلم والحرية والكلمات الألمانية العملاقة.
- جيفري تاكر
- ترجمة: سيمون حكيم.
- مراجعة: محمد مطيع.
نشر المقال مترجما في موقع www.wonderlustmag.com