تخطى إلى المحتوى

الطفلة الخفية | حكاية الطفولة المشردة في أمريكا.

حكاية الطفولة المشردة في أمريكا.

تأليف: أندريا ايليوت | عرض: اريكا تايلور l ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

لا شك أن كتاب أندريا ايليوت المشوق “الطفلة الخفية: الفقر والبقاء والأمل في مدينة أمريكية” سيبقى حاضراً في أذهان الكثير من القراء لفترة طويلة بعد طي صفحته الأخيرة. 

يتحدث الكتاب عن الفقر والتشرد والعنصرية والادمان والجوع والكثير من المعاني التي تشكل حياة فتاة رائعة وعائلتها. والطفلة الخفية المقصودة بالعنوان هي داساني كوتس. نقابل داساني في عام 2012 وهي في سن الحادية عشرة حيث تعيش مع والديها شانيل وسوبريم وسبعة أشقاء وشقيقات في ملاجئ مدينة نيويورك المخصصة للأسر المشردة. كانت ايليوت في ذلك الوقت تجري بحثاً عما أصبح لاحقاً سلسلة من خمسة مقالات عن داساني نشرت في صحيفة النيويورك تايمز. تابعت الصحفية الحائزة على جائزة بولتزر داساني وأسرتها لمدة ثمانية أعوام وتتبعت سلسلة مذهلة من المآسي التي تفطر القلب والانتصارات الرائعة.

تقابل ايليوت العائلة المكونة من عشرة أفراد في مسكن أوبرن للعوائل وهو” ملجأ للأسر المشردة تديره البلدية حيث تكون التدفئة معطلة والطعام فاسداً” سكنت العائلة هناك لمدة سنتين وقد حشرت في غرفة بمساحة 520 قدم مربع. لا يوجد في الكافيتريا سوى وحدتين من الميكروويف وقد يضطر المرء للانتظار في الطابور لمدة ساعة إذا أراد استخدام واحداً منها وتلك كانت أقل المشاكل التي يواجها سكان الملجأ. وتكتب ايليوت عن تسجيل أكثر من 400 مخالفة ضد الملجأ خلال العقد الماضي تراوحت ما بين تعطل جرس انذار الحريق والحمامات الخربة والتحرش الجنسي من قبل الكادر وتدني العناية بالأطفال. 

شهد عام 2013 وحده تسجيل 350 مكالمة قادمة من ملجأ أوبرن إلى خط الطوارئ أبلغ السكان فيها من بين أمور اخرى عن” 24 حالة تهجم وأربعة تقارير عن استغلال الأطفال وحالة اغتصاب”. ولا غرابة إذاً أن يُحظر على الصحافة والجمهور دخول المبنى. توثق عائلة كوتس ظروف الملجأ بكاميرات الفيديو التي قدمتها ايليوت والتي افصحت عن “مقاطع للجرذان والصراصير والعفن على الجدران”.

لا تزال داساني تتألق بالرغم من تلك الخلفية والتهكم من قبل الطلبة في المدرسة عندما اكتشفوا انها مشردة. يصفها أحد المعلمين في المدرسة بأنها “ذات ذكاء باهر” ويلاحظ ان “مستوى تفكيرها يتجاوز عمرها بكثير.” وتشير معلمتها في المدرسة المتوسطة” شهدت الكثير من الأطفال البائسين ولكنني لم أشعر أن أي منهم عانى من عمق مشاكل داساني وذروة وعودها”.

كانت داساني موهوبة أيضاً في حقل الرياضة حيث أبدعت برياضة الجمباز والجري. حصلت داساني، تقديراً لتفوقها الأكاديمي، على منحة للإقامة في مدرسة داخلية في بنسلفانيا تهتم برعاية الأطفال القادمين من الأسر ذات الدخل المنخفض. تمكنت هناك من الوصول إلى كثير من الموارد التي افتقدتها جل حياتها. وجبات منتظمة وصحية وزي كامل والتحرر من الفقر ولكنها افتقدت التواصل اليومي مع اسرتها.

كان لهذا الغياب تأثير مهم لان عائلة كوتس المكافحة عائلة متواشجة يشع منها حب أفراد الأسرة لبعضهم البعض. كانت داساني شديدة التعلق بوالدتها لدرجة “أن المشاعر تمر بينهما مثل الأوكسجين” وتتحدث داساني عن والديها” عندما يكونا سعيدين أكون سعيدة. وعندما يشعرا بالحزن أحزن لحزنهما. وكأني ملتصقة بهم مثل الغراء.” 

 لا تتمكن شانيل وسوبريم على الدوام من توفير احتياجات أطفالهم بسبب تحديات الفقر والادمان. وهنا تدخل داساني على الخط وتلعب دور الأم البديلة أو الأب البديل لأشقائها السبعة طوال معظم طفولتها.

 يتحدث الكتاب في معظم فصوله عن قصة داساني بشكل يدعو للإطراء ولكن ايليوت تستخدم قصتها وقصة عائلتها للإشارة إلى آخرين كثر يجدون أنفسهم في ظروف مماثلة صعبة. يشكل هؤلاء افراد “قبيلة مخفية لأكثر من 22000 طفل مشرد-وهو أعلى رقم يتم تسجيله في المدينة الأقل عدلاً في أمريكا”.

تسهب ايليوت في تفاصيل الأنظمة المتنوعة التي تقهر داساني وعائلتها-من خدمات التشرد إلى الإغاثة الحكومية إلى مساعدة الأطفال-وكيفية ايجادها وتطورها ملاحظة أن” أوائل الأمهات الأمريكيات اللائي استفدن من الإغاثة كن في الأغلب الأعم من البيض. وفي عام 1931 ومن بين 93000 أسرة حصلت على تلك الدفعات النقدية بلغت نسبة السود 3% فقط.”

يتتبع هذا الغوص بالتاريخ اسلاف داساني بما فيهم جد جدها جون الذي رحل من نورث كارولينا إلى بروكلين بعد الخدمة في الحرب العالمية الثانية ليجد نفسه عاجزاً عن إيجاد عمل كميكانيكي “عندما كان 94% من الميكانيكيين من البيض”. بالرغم من انه كان “يصلح العربات العسكرية تحت نيران القوات النازية”.

ولدت حفيدته في فورت جرين في عام 2001 قبل عامين من اعتزام العمدة مايكل بلوم بيرج “إعادة تشكيل” منطقتها. كانت تلك المنطقة “القلب النابض لما أسمته مجلة اسنس مكة السوداء في بروكلين”. وولدت حوافز بلوم بيرج “تحويل المطورين العقاريين المنطقة وتشييد 19 بناء فاخراً في فورت جرين في غضون ثلاث سنوات فقط.” وخلال عقد من الزمن ارتفعت أسعار العقارات في الحي بنسبة الضعف وارتفعت نسبة السكان البيض فيه بنسبة 80%-بينما أغلقت ثلاثة ارباع المنشآت التجارية التي يملكها السود في فورت جرين”. ارتفعت أعداد العائلات المشردة بنسبة 80%خلال حقبة بلوم بيرج كعمدة لنيويورك. وتحول مسقط رأس داساني إلى واحد من” أكثر الجيوب غير المتفاوتة الدخل في المدينة”. حيث يكسب الخمسة بالمئة الأعلى دخلاً فيها 76 ضعف دخل ال 20% الأدنى دخلاً. كما تلاحظ ايليوت.

تظهر تلك الانقسامات مرة تلو أخرى في “الطفلة الخفية ” مؤكدة قول ايليوت “عندما تتعرف على داساني جوني-لاشوان كوتس تدرك قصة مدينة نيويورك وتتعداها لحكاية أمريكا ذاتها.”

 لا ينضب مخزون الكتاب من الأمل رغم قسوة المشهد. ويعود ذلك بشكل كبير إلى تحمل داساني وعائلتها. ويصبح هذا السرد سرداً ثرياً تتقمصه الكاتبة الخبيرة ببواطن الأمور.

لا شك أن ايليوت قاصة مُجيدة تدعونا جميعاً إلى تفكيك الأنظمة التي خذلت داساني في معظم الأحيان واعداد لا تحصى غيرها عبر مشاركة حكاية “الطفلة الخفية”.

شارك المقالة