نبش ماضي وحاضر ومستقبل العنصرية في أمريكا.
تأليف: جوسلين نيكول جونسون | مراجعة: مورين كوريجان | ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو.
ترجمة حصرية لموقع ترياق
تعتبر رواية مونتيشيلو(تي) مجموعة استهلالية صارخة لمجموعة من القصص العصية على التصنيف. هناك خمسة قصص قصيرة من النوع الواقعي إضافة إلى النوفيلا الرائعة ذات العنوان البديع وربما أصنفها ضمن الأدب “الديستوبي الخفيف” نظراً لقربها الكبير من الحقائق العنصرية الراهنة في أمريكا بحيث يتعذر حجرها ضمن عالم الخيال.
القصة القصيرة الأولى بعنوان “الزنجي الشاهد” وتتحدث عن أستاذ جامعي أسود يعاني بشكل متكرر من الخلط بينه وبين عامل تنظيف الحمامات. ولذلك يقرر البروفسور القيام بتجربة:
كنت احتاج وفق ما تخيلت لرؤية تكشف حياة رجل آخر: شاب أسود ليس مثلي ولكن أفضل مني-أمريكي أسود مكافئ لتلك المجموعة من الذكور الأمريكيين البيض الذين تدافعوا في صفوفي. رغبت باختبار وطني المحبوب: هل ستوسع أمريكا في الظروف الملائمة وعودها بالحياة والحرية لي أيضاً ولشخص آخر على شاكلتي؟ ولكنني كنت بحاجة لشاهد. زنجي شاهد.
يتبين فيما بعد أن “الزنجي الشاهد “هو ابن البروفسور نفسه حيث يعكف على مراقبة تفاعلاته مع المجتمع الأبيض بشكل اكلينيكي وعن بعد لعدة سنوات. تستمد هذه القصة الافتتاحية قوتها من نهايتها الصاعقة علاوة على الإدراك بأن العنصرية قد أضرت بشكل كبير بأستاذنا لدرجة دفعته للتضحية بابنه لاختبار حدودها القصوى.
تقوم الشخصيات في نوفيلا مونتيشيلو بالقيام بوقفة أخيرة ضد قوى العنصرية أعلى “الجبل الصغير” الذي منح مزرعة توماس جيفرسون اسمه. تقع أحداث النوفيلا في المستقبل القريب وهي شيء مختلف تمام الاختلاف وتعبر عن نغمة ثرية وغريبة ضد الأسطورة الأمريكية المشبعة بتهديد مخيف من حكاية إرهاب البقاء على غرار “صندوق الطائر” لجوش مالرمان التي أخطأتُ بقراءتها في مستهل الوباء. لا تكون الوحوش هنا مخلوقات غريبة بل نتاج هذه البلاد من دعاة تفوق العرق الأبيض.
ينبثق افتراض “مونتيشيلو” من الحقيقة الواقعية للتغير المناخي ومظاهرة “توحيد اليمين” العنيفة التي حدثت في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا عام 2017. تمر سنوات عديدة ومع ارتفاع المد البحري وانقطاع الكهرباء يقوم رجال بيض بركوب سيارات الجيب والتلويح بعلم “الراية المرصعة بالنجوم” والصراخ “أرضنا” واشعال النار في حي في تشارلوتسفيل تقطنه أغلبية من السود.
وفي غمرة الهجوم تسحب الراوية، وهي طالبة سوداء في جامعة فرجينيا تدعى دانيشا لوف جدتها المريضة بالربو على متن باص بلدية مهجور برفقة صديقها الأبيض وبعض الجيران وتقود الحافلة لتلجأ إلى مونتيشيلو الخاوية.
تستذكر دانيشا أن هذه المرة كانت بداية “تكشف معتم جديد عندما تحرر كل شيء مرة ثانية…ولم يتضح إن كنا تحت الحصار أو ما إذا كان العالم يتداعى تحت وطأة وزنه غير الضروري.”
يدلف اللاجئون أولاً إلى المباني الخارجية في مونتيشيلو ولكن الطقس القارس يدفعهم لولوج القصر المنيف حيث تبعث المواقد الجدارية الدفء في جنباته.
تكمن المفارقة المريعة هنا في أن الاختباء في مونتيشيلو يمثل نوعاً من العودة إلى “المنزل” بالنسبة لدانيشا وجدتها لأنهما من سلالة سالي هيمنغس وهي المرأة التي كانت آمة لدى جيفرسون وولدت له عدداً من الأطفال.
يمنح أسلوب جونسون في الكتابة ذي المسحة الدقيقة والتصويرية هذا الكابوس الأمريكي نوعية الشعور” بأنك كنت هناك”.
تقوم المجموعة مثلاً بتحرير “أكياساً من سكاكر الشوكولاتة الداكنة من الأيام السالفة والمغطاة بنثار أبيض” “والعديد من علب فستق فرجينيا” من حانوت الهدايا”. يتوجهون نحو القصر يقودهم أحد الرجال الذي استبدل قميصه القذر “بقميص حديث صنع ليحاكي خربشات إعلان الاستقلال. وبينما يسير الهوينى أمام مجموعتنا تتبدى كلمات توماس جيفرسون على ظهره: نتمسك بحقائق لا لبس فيها إن الناس خلقوا سواسية.”
وتقوم المجموعة بتدبيج إعلان أهدافها باستخدام “ريشة كتابة” “وورق كتابة ملون” من حانوت الهدايا.
يمر تسعة عشر يوماً وهم في عزلة.”وما الذي سيحدث إن لم يحضر أحد” يسال صديق دانيشا الأبيض الذي يصدر إشارات الاستغاثة. “وما الذي سيحدث إن حضر أحدهم “تجيب دانيشا في تلخيص صارخ لتجاربهم الحياتية العنصرية المختلفة.
تعكس التوترات المريعة التي تعرضها جونسون بشدة في هذه النوفيلا المذهلة توترات المشروع الأمريكي نفسه: الوعد المقتنص في كلمات جيفرسون الخالدة عن العدالة والحرية للجمع المسحوق أمام “جبل” صغير من عنصريته ونفاقه.
المصدر:
تاريخ النشر: 2 نوفمبر 2021.